قبل الحديث عن أول مشروع سكني في تركيا يستخدم ما يسمى بـ "قاعدة العزل الزلزالية" التي تعد أقوى الأنظمة المستخدمة لحماية المباني من آثار الهزات الأرضية، سنتعرف أولا على هذا النظام الذي أنقذ العديد من مباني المستشفيات في تركيا عند وقوع الزلازل الأخيرة.
ولابد للإشارة إلى أن 5 من أكبر 10 مبانٍ تستخدم العوازل الزلزالية في العالم تقع في تركيا، بحسب وسائل إعلام تركية.
هو عبارة عن أجهزة- تتكون من طبقات من المطاط والفولاذ مع قلب من الرصاص- يتم وضعها في عمود أو قاعدة المباني، ووظيفتها هي امتصاص قوة الصدمات من الزلازل القوية، حيث توفر القدرة على قطع الاتصال بين الزلزال والهيكل.
عند حدوث الزلازل تعمل الأجهزة على فصل المبنى من الطبقة التحتية أسفل جهاز العزل وبالتالي يظل المبنى قائما لا يتحرك إلى حد كبير، حيث تزيد هذه القاعدة من درجة مقاومة المبنى للزلزال بنسبة 80 بالمائة.
استفادت تركيا من تجربة نظم العزل في اليابان ونقلتها إلى البلاد بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا عام 1999.
تستخدم تركيا هذا النظام في 100 مبنى في عموم البلاد، نحو أكثر 75 بالمائة من هذه المباني هي مستشفيات، مقارنة بنحو 9 آلاف مبنى سكني وحكومي يستخدم هذا النظام في اليابان.
نظرا لكلفته بدأت تركيا باستخدام هذا النظام على مباني المستشفيات وبعض المباني الحكومية دون المشاريع السكنية. لكن هذا لا يعني أن الوحدات السكنية لا تستخدم أنظمة مقاومة للزلازل، وقد أشرنا إليها في مقال سابق يمكنكم الرجوع إليه بالضغط هنا.
لكن بدأت تركيا مؤخرا تطبيق هذا النظام على مشاريع سكنية مع ظهور شركات محلية تنتج هذا النظام داخل البلاد، وهو ما خفّض من سعر المنتجات اللازمة لهذا النظام بنسبة 50-60%.
وأول مشروع سكني يركّب قاعدة عازلة ضد الزلزال في تركيا شُّيد في مقاطعة باشاك شهير التي تشهد نهضة عمرانية وخدمية كبيرة وسريعة، من توسيع خطوط مترو الأنفاق وتشييد المباني الذكية إلى بناء أكبر مدينة طبية وفتح أحد أكبر الحدائق في أوروبا، ناهيك عن المراكز التجارية التي تجذب أعدادا كبيرة من السياح العرب والأجانب.
وتعليقا على المشروع، قال رئيس بلدية باشاك شهير، ياسين كارت أوغلو، في مقابلة مع قناة "أي خبر" التركية، "كما هو معلوم نحن نعيش على حزام زلازل ويجب أن نقبل بهذه الحقيقة كما يجب أن نجد حلولا تتلاءم مع هذا الوضع".
وأضاف أنه بعد زلزال كهرمان مرعش، أصبحت مدينة إسطنبول حديث الناس ووفقا للأرقام التي كشف عنها خبراؤنا، فإن فإن نسبة المباني الخطيرة في إسطنبول تصل إلى 60 بالمائة، وهذه نسبة عالية جدا ويجب البدء بصورة عاجلة بالتحول العمراني.
ومتحدثا عن باشاك شهير، قال رئيس البلدية: "باشاك شهير هي بلدة تأسست عام 2009، وفي ذلك العام كانت نسبة المباني الخطيرة فيها 50 بالمائة، بينما انخفضت نسبتها مع بداية هذا العام إلى 13 بالمائة، ونهدف إلى إيصالها إلى 8 بالمائة بعد عامين وإلى الصفر خلال 5 أعوام".
وأضاف أن "أول مشروع سكني عازل للزلازل في تركيا بدأ تحت قيادة بلدية باشاك شهير، وذلك في يونيو / حزيران عام 2020، والآن استكملنا هذا المشروع وسنسلم مفاتيح الشقق لمواطنينا خلال شهر".
كما لفت إلى أن أكثر دولة تقوم بإنتاج هذه الأنظمة العازلة للزلازل هي اليابان.
وأوضح أنه خلال فترة تأسيس المشروع قام بزيارته العديد من الشركات والمواطنين من تركيا واليابان وغيرها من الدول الأجنبية.
كما أعلن عن استعداده بتقديم المساعدة والدعم للمواطنين والمتعهدين والشركات المهتمين بمعرفة التفاصيل التقنية عن هذا المشروع.
وحول تكلفة هذا النظام، رأى رئيس بلدية باشاك شهير أنه من الخطأ الخوض في المسائل المادية فقط، فالخدمة الهندسية الخاصة بتركيب هذه الأنظمة هي القسم الأكثر صعوبة في الأمر وليس الجانب المادي الذي يُقال إنه يكلف ما بين 10 و 15 بالمائة من تكاليف البناء.
وتابع أن الأمر لا يقتصر فقط على قول: "هيا تعالوا ندفع التكلفة اللازمة ونحل مسألة نظام العزل (في البناء). لا، الأمر لا يقتصر على ذلك، بل يتطلب دراسة فنية وخدمة هندسية طويلة الأمد، ولفعل هذا يتطلب الأمر نظاما احترافيا، ونحن بدورنا حللنا هذا التفاصيل هنا، وكانت هذه أهم مرحلة من مراحل تركيب النظام".
وأخيرا، دعا مواطنيه "للتحرك بأقصى سرعة ممكنة لحل مشكلة المباني الخطيرة، قائلا ليس هناك ما هو أهم من أرواحنا".
أشاد المسؤولون الأتراك ووسائل الإعلام التركية بنظام العزل، لاسيما أنه ساهم في إنقاذ مباني عدد من المستشفيات الحكومية في المناطق التي ضربها الزلزال، على غرار المستشفى الحكومي في ولاية إيلبيستان، وفي منطقة دورت يول بولاية هاتاي، والمستشفى الحكومي ومستشفى التوليد في ولاية ملاطيا.
فبحسب أورجان أوزتشامور، المدير العام لأنظمة العوازل التكنولوجية (TİS)، الشركة الأولى والوحيدة في تركيا التي تنتج عوازل الزلازل من مواد محلية، فإن "المستشفيات الحكومية ذات العوازل في منطقة الزلزال أعطت نتائج ممتازة".
وقال: "قمنا بفحص جميع المستشفيات الـ8 ذات العوازل في المناطق التي طالها الزلزال، ووجدنا أن هذا النظام أتم مهمته بنجاح ونال العلامة الكاملة"، مشيرا أنه "أدى دوره على أكمل وجه ولم يُصب أحد حتى بنزف في الأنف"، وفق ما نقلت عنه القناة الحكومية "تي آر تي".
يقول المهندس المدني محمد إمره أوزجانلي، الذي سافر إلى اليابان عدة مرات بعد زلزال 1999 المدمر للاستفادة من التجربة اليابانية في نظم العزل، ونقلها إلى تركيا، إنه عندما رأى هذا النظام تأثر كثيرا وفعل ما بوسعه لنقل هذا النظام إلى بلده.
ويضيف، في مقابلة مع قناة "شو خبر" التركية، إنه في عام 2013 أصدرت وزارة الصحة التركية تعميما بإلزامية استخدام هذا النظام في جميع المستشفيات التي يبلغ عدد أسرتها 100 فما فوق. وبالتالي طُبق النظام على أكثر من 70 مستشفى في عموم البلاد.
وحول تكلفة هذا النظام، يتابع أوزجانلي: "تتراوح تكلفة استخدام هذا النظام في المباني العادية بين 10 و 15 بالمئة من تكاليف البناء"، لافتا أن التكاليف تتفاوت حسب منطقة الزلزال وحالة الأرضية والحمل عليها وعدد الطوابق.
بحسب المدير العام لأنظمة العوازل التكنولوجية، "من الممكن نظرياً تعديل الهياكل القديمة باستخدام هذا النظام، ولكن في الواقع من الصعب جدّاً تنفيذه".
ويضيف: "مطلوب حسابات هندسية جادة لإعداد هذا النظام. لا يمكنك تغطية العيوب في المبنى بعزل الزلزال. هل يمكن ذلك إذا اضطررت إلى ذلك؟ نعم، حدث ذلك بالفعل في بعض المباني حول العالم".
