رغم القوة المدمرة لزلزال كهرمان مرعش بسبب شدته وطول زمنه والذي أدى لانهيار آلاف المباني، لم تتضرر الأبنية التي أنشاتها شركة "توكي" الحكومية للإعمار، ما أثار حالة من الجدل عن الأسباب التي جعلت أبنيتها مقاومة للزلازل.
ووفقًا لبيانات وزارة البيئة والتحضر والتغير المناخي، هناك 133 ألفًا و759 منزلًا بنتها "توكي" في المقاطعات العشر التي ضربها الزلزال، لم يتضرر منها أي منزل.
وبجانب المنازل التي أنشأتها "توكي" ولم تتأثر بالزلزال، هنالك أيضا المرافق الاجتماعية التي بنتها الشركة الحكومية مثل المدارس والمساجد ورياض الأطفال وأسواق البازارات، وهي عبارة عن أسواق تقيمها الدولة للفلاحين والتجار لعرض محاصيلهم وبضائعهم بشكل أسبوعي، لم تتأثر هي الأخرى بالزلازل الأخيرة.
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أشاد بمشاريع توكي التي أثبتت جدارتها في مقاومة الزلازل، حيث قال في كلمة له في أعقاب زلزال كهرمان مرعش: "رأينا أن المباني المشيدة بالتقنيات الصحيحة على أرض متينة لم تدمر".
بحسب معلومات رسمية، فإن "توكي"، التي تنشئ مساكن للمواطنين ذوي الدخل المنخفض منذ أكثر من 20 عامًا، تقوم ببناء منازل آمنة في المقاطعات والمناطق ذات التحولات الحضرية. ومنذ عام 2002، قامت توكي ببناء مليون و180 ألف منزل في الولايات التركية.
يرجع نجاح مشاريع "توكي" في مقاومة الزلازل إلى أن مبانيها مركبة على قاعدة طوافة مقاومة للزلازل ومعدة بشكل حديث، مما يسمح بتوزيع الحمولة بالتساوي على الأرض.
يتم إنشاء مباني "توكي" على مناطق صلبة إثر مشاورات طويلة وبعد دراسة دقيقة وإجراء مسح أرضي للمنطقة المراد البناء عليها. بعد ذلك وتماشيًا مع البيانات التي يتم الحصول عليها من تقرير المسح الأرضي، يتم إجراء دراسات عمل المشروع وفقًا لجميع القوانين واللوائح المعمول بها، خاصة لائحة الزلازل.
تستخدم "توكي" في المشاريع التي تشيدها أنظمة القوالب النفقية والطوافة العائمة والخراسانة عالية المقاومة. وفي كل الأنظمة هذه تحتوي المباني على جدران خرسانية مسلحة تسمى جدران القص. ويقول الخبراء إنه عند استخدام الأنظمة المذكورة في المباني، فإنها على الأرجح تكون منقذة للحياة عند حدوث الكوارث كالزلازل بسبب قدرتها على امتصاص الاهتزازات وتقليل حجم الأضرار المتوقعة.
الطوافة العائمة هي أساس بناء قائم على الأرض يحميها من تحلل وتسيل التربة الرخوة من النشاط الزلزالي، وترتكز الفكرة على تشابك البلاطة الخرسانية بعوارض فولاذية.
يضمن هذا النظام توزيع الحمولة بالتساوي على الأرض، ومن المعروف أن أساس الطوافة يوفر ميزة كبيرة وملاءمة ضد الزلازل.
لقد كان ابتكارًا ضروريًا في تطوير المباني الشاهقة في تربة شيكاغو الرطبة في القرن التاسع عشر، عندما طورها جون ويلبورن روت الذي جاء بفكرة تشابك البلاطة الخرسانية بعوارض فولاذية.
نظام قالب النفق هو نظام قالب فولاذي يعمل على صب خرسانة الجدار والأرضية بنفس الوقت وتصنع أسطحه المواجهة للخرسانة من الصفائح.
بالإضافة لذلك فهو نظام يمكن استعماله في صب الخرسانة 500 مرة تبعا لشروط استعمال نظام قالب النفق مما يقلل تكلفة القالب إلى الحد الأدنى ويرفع مستوى أمان العمال إلى الحد الأعلى بفضل أنظمة السقالات المستخدمة كما يمكن استعماله كل يوم في صب خرسانة.
يستخدم نظام قالب النفق في إنتاج الأبنية ذات الكتلة الواحدة كالأبنية السكنية والمستشفيات والسجون ومساكن الطلبة.
المباني التي يتم إنتاجها بواسطة نظام قالب النفق تكون اقتصادية ومقاومة للزلازل وتقل فيها أخطاء التصنيع إلى الحد الأدنى وتقل كلفة عمل الأبنية الدقيقة فيها إلى حد كبير.
هي خرسانة ذات مقاومة تزيد عن ٦٠٠ كج/سم ٢ وقد تصل أو تزيد عن ١٤٠٠ كج/سم ٢ ويمكن الحصول عليها باستخدام المواد المحلية المتاحة والتي تستخدم في صناعة الخرسانة التقليدية من ركام وأسمنت وماء إلا أن الخرسانة عالية المقاومة تحتوي على مادة إضافية أخرى وهي الملدنات (وهي عبارة عن مواد تضاف لزيادة المرونة أو السيولة للمادة التي تضاف إليها).
نظام إنشائي، يتألف من لوحات (معروف باسم لوحات القص) لمواجهة آثار الحمل الجانبي بناء على عدة عوامل، وتستخدم في الأبنية العالية لمقاومة الأحمال الناتجة من دفع الرياح أو من الحركات الزلزالية، إضافة إلى الأحمال الشاقولية الأخرى.
تبدأ هذه الجدران بشكل عام من مستوى الأساس وتستمر لأعلى المبنى وتعد أكثر العناصر فعالية في المباني متعددة الطوابق لمقاومة القوى الجانبية التي تسببها الزلازل والرياح.
أظهرت المباني المصممة والمشيدة بشكل صحيح مع جدران القص أداء جيدا للغاية في الزلازل السابقة. إذ تتميز بالكفاءة، من حيث تكلفة البناء والفعالية في تقليل الأضرار الزلزالية التي تصيب العناصر الإنشائية وغير الإنشائية) مثل النوافذ الزجاجية ومحتويات المبنى(.
تعطي جدران القص وفق اتجاهها الطولي مقاومة وصلابة كبيرتين للمباني، مما يقلل بشكل كبير من التأرجح الجانبي للمبنى ومن الأضرار التي تلحق به.
البروفسور حسن يلدريم، الاستاذ في كلية الهندسة المدنية بجامعة اسطنبول التقنية رأى أن أنظمة جدران القص والقوالب النفقية والطوافة العائمة قد أنقذت أرواح الكثير من المواطنين في الزلزال الأخير، وفق وكالة الأناضول التركية.
ولفت إلى أن أبنية "توكي" التي لم تتأثر بالزلازل الأخيرة تم تشييدها باستخدام الأنظمة المذكورة.
بحسب خبراء، لدى الهيئة العامة للإسكان "توكي" خبرات واسعة في قطاع الإنشاءات، وهو الأمر الذي يدفع للاعتماد عليها في إعادة إعمار الولايات المنكوبة، فضلا عن وجود خبرة واسعة لدى تلك الهيئة في إعادة بناء وتأهيل المدن المدمرة نتيجة الزلازل.
ولتركيا لديها باع كبير في قطاع التشييد والبناء، لم يقتصر على داخل البلاد فقط بل تجاوز حدودها، فضلا عن كونها تتميز بصناعة مختلف مواد البناء، الأمر الذي سيمكن البلاد من القيام بإعادة البناء في أسرع وقت ممكن.
واحتلت تركيا المركز الخامس عالميا في مجال تصدير مواد البناء في عام 2021 بواقع 30.83 مليار دولار، من أصل تريليون و79.4 مليار دولار عالميا، وفق جمعية صناع مواد البناء التركية "Türkiye İMSAD".
في حين أن مؤسسة توكي هي حكومية بشكل كامل، فإن شركة "إملاك كونوت" الشهيرة مملوكة بنسبة 49% للدولة فيما يتم تداول ما نسبته 50.6 بالمائة منها في بورصة إسطنبول، وتعد أكبر شركة استثمار عقاري في تركيا.
وبحسب المدير العام للشركة، فإن المشاريع التي تنفذها مؤسسة إملاك كونوت فإن جميعها مشيدة باستخدام أنظمة مقاومة للزلازل.
